دراسة في المرجعيات الفلسفية و الإيدولوجية الأمريكية (ترامب الراديكالي نموذجا)وانعكاساتها على السياسات الدولية بعنوان:
مرجعية (ترامب) المرتكزة على قومية أميركية ضيقة و (نظرية القيمة) التي تبناها بجانب اعتماده مبدأ (حركية المصالح و اختزال المبادئ) عوامل كان لها انعكاس كبير على السياسات الأمريكية الخارجية ككتلة مركزية في النظام الدولي ..
بقلم القيصر_بتاريخ 30-11-2020
إن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تحتل دائما مكانة قوية في العالم مما أهّلها لتتبوأ باستمرار مركز الثقل في النظام الدولي و كان كل تغير يطرأ على سياساتها يؤثر بالضرورة على الموازين الاقتصادية و السياسية بباقي دول القارات الخمس بوجه أو بآخر،و هذا يقودنا إلى الخوض في طبيعة النظام السياسي الأمريكي خلال المرحلة الأخيرة و التي ترأس قيادته (دونالد ترامب) و بالرجوع إلى آلياته و استراتيجياته فقد كان يسير بطريقة معقدة جدا على مستوى كل السُّلط سواء القضائية أو التشريعية والتنفيذية وكذلك بخصوص التناسق بين حكومات الولايات و الحكومة الفيدرالية،ومع كل رئيس جديد كان هذا النظام يعرف تغيرات جديدة و جذرية كنتيجة طبيعية لتغير إدارة الرئيس القديم بالإدارة الجديدة و ما يترتب عن هذا من تغير في الرؤى والاستراتيجيات و الأهداف ، إلا أن الفترة الرئاسية الأخيرة عرف النظام خلالها انعطافة كبرى لا زالت تثير الكثير من علامات التعجب وتطرح العديد من التساؤلات و أصبح يتحرك بآليات معقدة و شائكة جدا و يسير في طريق يشبه المتاهة تتضارب فيه الأهداف و المصالح بشكل واسع و كبير،كما أن الواجهة الخطابية للسياسات الأمريكية أصبح فيها فِصام واضح و تختلف في غالب الأحيان عن ما تقوم به على أرض الواقع فوصول ترامب إلى الرئاسة الأمريكية كان في حد ذاته شيئا غير متوقعا و لَـفَّهُ الكثير من الغموض الشيء الذي جعل غالبية المنظرين و المحللين السياسيين الذين كانوا يتابعون ممارساته السياسية يعربون كثيرا عن استيائهم من دبلوماسيته الشاذة وأنها تصرفات لا مسؤولة تختزل في معاييرها كل مصالح الأطراف الأخرى و تسعى للربح الأمريكي فقط و التي لا تخرج عن المنهج البراغاماتي حيث أزاح بموجبها كل الظوابط الإنسانية التي تؤطر العلاقات ضمن إطار أخلاقي و رسّخ مكانها ظوابط نفعية محضة،كما تَبَنى(نظرية القيمة) بشكل واسع أثار بها الكثير من التساؤلات وأصبح انشغاله بالعائد المادي أكبر همه و هوسه..
و لوحظ أيضا تضارب أقواله و أفعاله كثيرا على مستوى التطبيق السياسي طيلة فترة رئاسته كما أن قراراته كانت تتسم بالكثير من الغرابة و المفارقات الكبيرة فنجده مثلا في خطاب يدعم بعض المؤسسات وفي أرض الواقع ينهج عملا مناوئا لنفس المؤسسات و وعد الناخبين خلال حملته بتحريرهم من سيطرة المؤسسة السياسية الأمريكية لكنه خالف أقواله مثال على ذلك تعيينه نائب الرئيس المنتخب ( مايكل بنس ) و هو عضو بالادارة القديمة ، و قد وصفه الكثير من أطباء النفس بأنه في حالة عقلية غير مستقرة تدعو للخوف و في سياق آخل فقد ذكر كاتب شهير اسمه(Chauncey DeVega) في موقع Salon مقالة يصف فيها ترامب بملك الفوضى و قال أيضا بأنه كذب أكثر من 12000 مرة خلال فترته الرئاسية بينها أكاذيب كبيرة جدا حيث أعلن مرة بأن إعصار دوريان سيضرب ولاية ألاباما و غيرها من الادعاءات التي تركت أثرا سيئا في الأمريكيين و غير الأمريكيين..
و بالرجوع إلى الأيام الأولى لتوليه كرسي الرئاسة و ما عقِبه من إصداره لقرار سريع في حق الجالية العربية و المسلمة و منع دخول اللاجئين من سبع دول إسلامية من الدخول إلى الأراضي الأمريكية و ما تلاه آنذاك من موجة استنكار كبرى نددت بشدة ما قام به و منذ ذلك الحين و السياسة الأمريكية الترامبوية و هي تتسم بصبغة عنف و عدوانية كبيرتين اتجاه العرب والمسلمين عموما بمرجعيته التي لا تتغير بأن الاسلام عدو الغرب و مُلمحا دائما إلى "الإرهاب الإسلامي الراديكالي" ،وكان هذا واضحا في أولى حملاته الانتخابية حيث تعهّد الامريكيين بما نصّه "منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة حتى يتسنَّى للمسؤولين الحكوميين التعامل مع معضلتي التطرف..
و تبقى الفلسفات التي تبناها الفكر الأمريكي طيلة مراحله من أمبريالية و رأسمالية وبراغاماتية هي القاعدة الأساسية و الموجه الاول لكل قرارات ترامب الدولية،كما أن الغرور كان سِمة غالبة في أقواله كمثال عنها ما قاله في خطاب الرياض بما نصه أن "أمم الشرق الأوسط لا تحتمل الصبر في انتظار القوة الأميركية للقضاء على هذا العدو (تنظيم الدولة) نيابة عنها. إن على أمم الشرق الأوسط أن تختار أي مستقبل تريده لنفسها ولبلدانها وأبنائها"،و زاد نهمه الشديد في الثراء الخليجي في رسم شخصيته المبنية على الجشع و الطمع الذي كان متأصّلا في ذاته حتى قبل توليه الرئاسة و الكثيرون يعلمون باللقاء الذي تم بينه و بين( أوبرا وينفري ) في برنامج تليفزيوني سنة 1988حيث طرح سؤالا غريبا بما نصّه: "كيف يعيش الكويتيون وغيرهم من الخليجيين مثل الملوك ولا يدفعون نسبة في حدود خمسة وعشرين في المئة إلى الولايات المتحدة مقابل تسهيلها بيع الصادرات النفطية لدول الخليج"،و ظل هذا الهاجس يراوده حوالي 30 سنة حتى حققه فعليا على أرض الواقع إذ طلب من دول الخليج تجهيز مبلغ تريليون دولار قبل سفره إلى السعودية في شهر ماي من سنة 2017 تكون على شكل استثمارات وصفقات جديدة في الولايات المتحدة..
فالإطار العام الذي أطَّر به دائما _ترامب_فلسفته كان محصورا في النزعة القومية الأمريكية التي جعلته ينهج ما يسمى ب (بنائية علاقات الاختلاف) و التي هاجم كثيرا بموجبها الشعوب الاسلامية متخذا الارهاب كذريعة،أشياء أثارت الرأي العام لشريحة كبرى من المثقفين الامريكيين بوصفهم له "راديكاليًّا مُتَأَدْلِجًا يرغب في إحداث ثورة في السياسة الخارجية"،و حطم بذلك كل الرموز التي تمثل القيم و الأخلاقيات وتعتبر من أهم البنى التي تأسس عليها النظام السياسي الأمريكي منذ نشوئه..
و في دراسة كان أجراها (مركز بيو للبحوث) مع 40 ألف شخص من 37 دولة خلال أيام رئاسته أبانت أن ترامب وسياساته "لا يحظيان بشعبية في أنحاء العالم" وأن سياسته ليس فيها تنسيق أو بعد نظر ، و هذا شيء طبيعي من رئيس لم يتولى من قبل أي منصب حكومي أو تُمنح له حقيبة سياسية واحدة و حتى الجيش لم يخدم فيه مطلقا،إضافة إلى شيء أزعج الرأي العام كثيرا و هو بخصوص المسؤولين في إدارته حيث يحضون بامتيازات كبرى كنوع من التفاضلية و التمييز..،هذه و غيرها أسباب كلها زعزعت كل الأسس التي تترسخ عليها مبادئ السياسة الأمريكية..
و من جهة أخرى تصريحات ترامب التي أعلنها في وقت مبكر جدًا، بخصوص تصوراته لحلول أزمات الشرق الأوسط حملت في طياتها الكثير من القلق حول مصير المنطقة،كما أن مرجعيته المرتكزة على قومية أميركية ضيقة التي تختزل كل الأجناس و تجعل السيادة للرجل الأبيض كان لها أثر كبير و هدّام على القضية الفلسطينية خصوصا حيث كانت سياساته فيها تعاطف بشكل كبير مع السيطرة الصهي.ونية و هذا كان واضحا جدا حينما قام بمنح زوج ابنته رجل الأعمال اليه.ودي صلاحيات في البحث عن تسوية للصراع العربي-الإسرائ.يلي و هو الذي لا يملك أية تجربة دبلوماسية على الاطلاق أسباب كلها أظهرت انحيازه الواضح للجانب الصهي.وني الذي رجحت كفته بشكل كبير و حضى بكل الامتيازات على حساب الجانب الفلسطيني..
و على الصعيد السوري كانت تسويته للأزمة في سوريا دائما تميل لصالح نظام الأسد بشكل مبالغ فيه أثرت في سير الاحداث بشدة على المنطقة مما أدى إلى مزيد من القتل و التقتيل و الممارسات التي تبتعد كل البعد عن معاني السلام و القيم الانسانية..
و في سياق آخر فعلى مستوى الجبهات الاقتصادية و الأمنية والسياسية والعسكرية ومن خلال الاتفاقيات التي تتم مع مختلف دول العالم نجد أنها كانت تسير في عهد (ترامب) على نسق واحد لا يتغير و هو المصلحة النفعية الأولى للأمريكيين قصد الحصول على أفضل الصفقات من خلال معاهدات و اتفاقيات غير متكافئة دون النظر إلى النفع الذي سيحققه الطرف الاخر من خلالها..،و نهج أيضا سياسة عسكرية تخالف سياسة أوباما بحيث صرح بعدم دعمه للحلفاء بالتدخل المباشر في مناطق النزاعات الدولية و اعتماد استراتيجية التدخل غير المباشر لتغيير ميزان القوى و نصحهم بالدفاع عن أنفسهم الشيء الذي طرح خيار التسلح النووي مفتوحا لدول كثيرة مثل كوريا الجنوبية واليابان والسعودية مما كان سيؤدي إلى وضع كارثي لولا لطف الأقدار و هذا كله يبرر (نظرية القيمة) التي تبناها بجانب اعتماده مبدأ (حركية المصالح و اختزال المبادئ)..
ف(نظرية القيمة) كانت حاضرة بقوة في كل سياساته الخارجية بحيث كانت الأجندة الأمريكية لا تحرك ساكنا إلا إذا كانت ستجني وراءه قيمة ربحية و نفعية بغض النظر عن أي قيم أخلاقية أو انسانية كما أن مبدأ (حركية المصالح و اختزال المبادئ) كان واضحا جدا في سياساته اتجاه الوطن العربي
بقلم_القيصر_30-11-2020