دراسة في السياسات الخارجية الروسية بشمال إفريقيا بعنوان:
تَنَافس القوى الدولية حول النفوذ في شمال إفريقيا كان تحديا كبيرا للجانب الروسي نجح في تخطيه بسرعة و أوجد لنفسه مقعدا للمفاوضات كخطة عزّز بها تواجده بالمنطقة لتوطيد العلاقات الداعمة لمصالحه القومية..
بقلم_القيصر_02-04-2021
لقد عرف المشهد العام على مستوى شمال القارة الافريقية خلال السنوات الأخيرة تحولات سياسية كبرى شهدت خلالها تواجدا كثيفا للجانب الاوروبي و الآسيوي والأمريكي كخطة لتعميق علاقاتهم في هذه المنطقة من العالم ضمن تعزيز النفوذ الاقتصادي و الجيوسياسي بهذا الجزء من العالم الغني بالموارد الطبيعية و البشرية مما خلق تنافسا كبيرا بين مختلف الدول التي أصبحت تتنافس منذ فترة على هذه الموارد من جهة و بسط النفوذ من جهة أخرى،و قد تحقق عبر هذه المبادرات إيجاد نقطة بداية لتعاون مشترك بين كل الأطراف تمخضت عنه اتفاقيات عديدة و متنوعة أنعشت المنطقة بكثير من المشاريع الكبرى وحققت الربح للجميع حيث انعكس هذا بوضوح على منحنى التنمية الاقتصادية الذي عرف صعودا ملحوظا إلى الأعلى وأعرب الجميع عن ارتياحهم لهذه الشراكة الجديدة و التعاون المثمر..
ثم سرعان ما دخل إلى حلبة السباق الجانب الروسي و كانت المنطقة الأفريقية في هذه المرحلة قد تغيرت بنيتها الاقتصادية بوتيرة متسارعة جدا في إطار المشاريع الضخمة التي قامت بجهود كبرى في مشروع الاستثمار الكبير و الذي كان بلا شك يعتبر نقلة نوعية ساهمت بشكل ملحوظ في النهوض بالتنمية بهذه القارة التي تعرف هشاشة كبيرة على مستوى تنميتها رغم كثرة موارها الطبيعية التي تؤهلها لمستوى أفضل و أحسن..
فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين جعل تقوية أواصر التعاون بين روسيا و البلدان الأفريقية من أولويات السياسة الخارجية الروسية حيث اتخذ المشهد في المنطقة شكلا اخرا عندما دخلت روسيا الاتحادية إلى معادلة الأحداث كطرف قوي ومنافس ويفرض تواجده بالمنطقة تحديا كبيرا لكل الأطراف المندمجة و كون روسيا أيضا قوة كبرى ترتكز على مؤهلات تمكنها من بسط هيمنتها كفاعل قوي في هذا الجزء من القارة السمراء..
و كانت المنافسة الامريكية والاسيوية و الاوربية على أشدها و لعل التحدي الاكبر للروس تمثَّل كثيرا في الجانب الصيني كون الصينيين قاموا في السنوات الاخيرة بترسيخ أسس شراكاتهم بالقارة السمراء ساعدهم تعدد استثماراتهم في ذلك بشكل كبير حيث ركزوا بقوة على مجالات التنقيب على النفط و استخراج اليوانيوم والمعادن النفيسة و رغم قوة المنافسة فقد استطاعت روسيا من كسب ثقة قادات دول القارات السمراء بسرعة و يسر و الهيمنة على الوضع و التحكم في سير الاتفاقيات و الشراكات و ساعدها في ذلك عدة أسباب لعل من أهمها الحضور العسكري في إطار مهمة حفظ السلام بجمهورية إفريقيا الوسطى كان سببا مساعدا في هذا التوسع و أيضا الظرف التاريخي إذ أنها ساعدت الكثير من الدول الافريقية على التخلص من الاستعمار الأروبي خلال فترة الاتحاد السوفياتي السابقة و كانت دائما سباقة لمآزرة خلايا ومنظمات التحرير الافريقية ودعمتها ماليا ومعنويا و لوجيستيا،كما أن روسيا كان لها مع الدول الافريقية تعاونات واستثمارات كبرى خلال مرحة الستينات والسبعينات و ثمانينات القرن الماضي وكانت تتمثل في تمويلها للافارقة بالاسلحة عن طريق صفقات كبرى و كان ضمنها أيضا اتفاقيات كثيرة للتعاون العسكري بخلاف قواعدها العسكرية آنذاك كما أن العلاقات السياسية كانت تسير على وفاق كبير وكان لروسيا أكثر من أربعين ألف مستشار ثقافي و اقتصادي و عسكري في كل الدول الافريقية خلال سنة 1970م..
و قد أشار (بالماسوف) الخبير بالمجلس الروسي للشؤون الدولية في بدايات العلاقات بأن التوسع الروسي بأفريقيا سيعزز كثيرا من مكانة روسيا الاقتصادية والسياسية وقال أن"أهم الموارد الطبيعية التي تبحث عنها روسيا في أفريقيا، هي الهيدروكربونات والألومينيوم والبلاتين واليورانيوم والألماس، بالإضافة إلى تقديم خدمات أمنية بأبعاد سياسية بواسطة الشركات العسكرية الخاصة"..
و من جهة أخرى فإن أنظمة الحكم الافريقية طرحت الكثير من العراقيل كونها هشة في هيكلها العام إلا أن روسيا كان عندها تفاؤل كبير على التغلب على كل العراقيل حيث أسست شراكات جديدة خصوصا أن الأوضاع أصبحت تساعد جيدا من خلال طفرة النمو التي شهدتها افريقيا و التي انعكست على السوق الافريقية الضخمة للمنتجات والسلع الروسية فاق عدد روادها المليار نسمة،كما أن المخططات شملت عدة قطاعات تتيح لدول افريقية عديدة تنمية قوية جدا مثل قطاعات التكنلوجيا و النقل و الطاقة والقطاع الزراعي و أيضا مجالي التعليم والسياحة و لا ننسى مجال الطاقة النووية التي تمتاز به روسيا و الذي يعد من أكبر المشاريع التي تدر مداخيل كبرى..
و كان الدعم الروسي على مراحل و اتخذ عدة أشكال حيث أبرمت روسيا بين سنتي 2017 و2018 اتفاقيات مهمة مع كل من بوركينا فاسو وغينيا الاستوائية والسودان ومالي و أيضا أنغولا ونيجيريا و قدمت بموجبه صفقات عسكرية كبرى تمثلت في عدد من محركات للطائرات المقاتلة و طائرات هليكوبتر مدنية وحربية و أيضا صواريخ مضادة للدبابات كما دعمت هذه الدول أمنيا بمجموعات من المرتزقة الخاصة كدعمها لجمهورية افرقيا الوسطى ضد الأنظمة المتمردة..
و بموازاة مع الدعم الاقتصادي قدمت أيضا للأفارقة دعما سياسيا و دبلوماسيا من جهة و دما أمنيا و دفاعيا من جهة أخرى حيث تعتبر شريكا دفاعيا هاما للأفارقة و تجلب لهم أكبر كمية من السلاح بخلاف المساعدات الاقتصادية و الانسانية،و بخلاف المشاريع الأولية فقد خططت روسيا لمشاريع بعيدة المدى بالقارة السمراء مثل خط سكة الحديد بين السينغال والسودان عبر خط الحج القديم و عملت أيضا على إنشاء منظمات غير حكومية في تابعة لها مع آليات اعلامية متحدثة باسمها مثال على ذلك موقع (Africa Daily Voice) الذي يتواجد بالمملكة المغربية و مركز (أفريكا بانوراما) المتواجد في مدغشقر .
و كان التدخل السياسي لروسيا الاتحادية بالقارة السمراء له أثر كبير على الأحداث ككل فحسب تقرير صحيفة الغارديان الذي سربته وثائق سرية بأن التمدد الروسي بالقارة السمراء كان يقوده (يفيجني بريغوزني) رجل الأعمال الروسي و رجل فلاديمير بوتين الأول و قد طال التمدد الروسي 13 دولة افريقية و عقدت اتفاقيات عسكرية مع حوالي عشرين دولة إفريقية..
كما كشفت نفس الصحيفة بأن الروس قدموا برنامجا للبشير للقيام باصلاحات سياسية واقتصادية و بالموازاة قاموا بتشويه المعارضة السودانية بأخبار فيها صور و فيديوهات مفبركة عن مظاهرات للسودانيين تؤيد لإسرائيل وأيضا فيديوات عن المثليين الجنسيين
و قد كان النجاح الروسي مناوئا للجانب الفرنسي حيث أنهت بعض الدول هناك علاقتها مع فرنسا و تحالفت مع روسيا و كانت جمهورية إفريقيا الوسطى أول من قام بأول مبادرة في هذا الشأن..
كما اعتمد بوتين عملات اخرى غير الدولار في المبادلات مما سيخفض من هيمنة الدولار الشيء الذي سينعكس إيجابيا على مصالحهم الاقتصادية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق