دراسة في البروباغندا العالمية و التضليل الاعلامي السياسي بعنوان:
التأثير الفكري والنفسي من أهم استراتيجيات التضليل الاعلامي لدى أنظمة الاستكبار العالمي لهدم أسس الديموقراطية و قلب حقائق السياسات الدولية ..
بقلم _يوسف القيصر_07-04-2021
إن العالم اليوم بقاراته الخمس يشهد تحولات كونية كبرى في ظل ثقافة غربية معولمة ومتغيرات اقتصادية و سياسية متعددة قامت على أسس مدنية غربية وتكنلوجيا متطورة رهيبة،أشياء نتج عنها أعطاب وتداعيات هائلة مما أدّى إلى خلق خلل في توازن الاستقرار العالمي و مما كان له أيضا تأثير كبير في طمس شِفرة و هوية المجتمعات الانسانية و انحدار أخلاقي حضاري هائل و كبير،و هذا الانحدار نتج عنه تداعي في رموز القيم و أثَّر بشكل ملحوظ على كل الأنظمة العالمية بلا استثناء،و سأسلط الضوء هنا على الاعلام السياسي كونه منظومة لا غنى عنها في كل نظام و لما له أيضا من أهمية قصوى في حياة الشعوب المصيرية،..
فالإعلام في تعريفه العام من منظوري الخاص هو المرآة الأولى لنشاط الأمة لدى الشعوب الأخرى الذي يعبر عن رأيها و عن قضاياها المصيرية و الأساس المعتمد كوسيلة لا غنى عنها لنشر المعلومات داخل الوطن و خارجه و من أهم معاييره صياغة مدلول الخطاب الموجه للرأي العام بصدق و شفافية و نزاهة، و قد كان له دائما دور قوي في نهضة الأمم والارتقاء بشعوبها كآلية أساسية للبناء و التطور والتأثير الايجابي داخل النُّظُم المعرفية و الاجتماعية ،لكن للأسف انقلبت المفاهيم واختلّت الموازين،وهنا سأنتقل بكم إلى الإعلام السياسي و كيف أن هذا الاعلام في القرن الواحد والعشرين قد بلغ مرحلة منحدرة جدا في التعتيم و التضليل بحيث استقطب معه كل العيون والأنظار،فهو ليس وليد عصر الحداثة فقط بل كان معروفا منذ عقود من الزمن وتعود جذوره إلى مرحلة بعيدة جدا وتحديدا إلى الحرب العالمية الأولى حيث اتخذ مسمى(البروباغاندا) والذي ارتبط بقوة بالزعيم النازي هتلر الذي استعمل الاعلام كآلية أساسية و فعالة للسيطرة على العقول كما أنه أسس وزارة لهذا الشأن عندما وصل إلى السلطة سنة 1933و سلم قيادتها للصحافي( جوزيف غوبلز ) و كان من أهم أهدافها القضاء على أي وجه من أوجه المعارضة لسياسات هتلر و أيضا لنشر الأفكار النازية العرقية و التي كانت آنذاك شيئا جديد على المجتمع الألماني..
و قد استطاع الزعيم النازي بهذه الآلية الفعالة الهيمنة على جل مصادر المعلومات والصحافة أيضا بشكل واسع وكبير في جميع أنحاء ألمانيا و حتى خارج حدودها كما تحكَّم في محتويات الأفلام والمسارح والإعلانات و في كتب المدارس أيضا..
و لعل ما قام به البريطانيون في سنة 1944م يدل على مدى فعالية البروباغندا والخداع الاعلامي في زمن الحروب حيث قاموا بخدعة كبرى غيّرت مجرى الحرب العالمية الثانية كليا و أوهموا هتلر بحملة إعلامية كبيرة مزيفة بأن الإنزال البحري للحلفاء سيتم في نقطة أخرى..،
و بعد الحرب العالمية الأولى اتخذ التضليل الاعلامي صبغة عالمية و انتشر في كل أنظمة العالم حيث شاع استخدامه بكثرة في أروقة الأجهزة الاستخباراتية و إعلام الدعايات،وكان الباحث الفرنسي فرانسوا جيريه في ثمانينيات القرن الماضي سبَّاقا إلى كشف أسرار هذا الموضوع في عدة دراسات مختلفة ألقت الضوء على الكثير من الخفايا ثم توَّج أبحاثه بكتابه الشهير(قاموس التضليل الاعلامي) حيث وضح فيه كيف كانت حرب الدعاية النفسية سلاحا فعالا سواء في وقت السلم أو وقت الصراعات والازمات..
فالاعلام اليوم أصبح علما يُدرّس في مختلف جامعات العالم و التضليل الإعلامي فن يحترفه خبراء وأساتذة كبار لخدمة أهداف كبرى باتباع ثلاث طرق أساسية و تكمن الأولى في (التكتيم والتعتيم) والثانية في (التسريب و نشر أخبار قصد غرض ما) و الثالثة (التزييف و التزوير )و تبقى الحرب النفسية والفكرية من أهم آلياته و تبدأ الآلية في الاشتغال بدءا من أصحاب القيادات ذوي القرار و وصولا إلى المواطن العادي..،و يعتمدونه كأرض لاستراتيجية قوية تقوم بالتعتيم على الأحداث وتحريفها وأيضا بتزييف الوقائع لطمس ذهن الرأي العام وإغراق المجتمع في كـمٍّ من الأخبار المزيفة والمعلومات المغلوطة الهدف منها غسل العقول وتوجيه الشعوب إلى رأي معين أو واقع معين أو طمس حقيقة معينة..،و لعل مقولة وزير الدعاية الألماني (جوزيف غوبلز) التي يقول فيها ^أعطني إعلاماً بلا ضمير أعطيك شعباً بلا وعي^ ستبقى هي الاستراتيجية و القاعدة الأساسية في الاعلام المضلل في مختلف بقاع العالم و في كل مراحله..
فالإعلام المضلل في الآونة الأخيرة و في المشهد السياسي العالمي نراه أكبر آلية مستعملة من طرف الدول العربية منها أو الدولية بجوار التدخلات الدبلوماسية والمفاوضات في تغيير حقائق سياسية أو إيصال مفاهيم و حقائق مزيفة،فكمثال بسيط نرى كيف الاعلام الغربي عموما و الامريكي خصوصا يغطي بشدة على الممارسات الصهيونية بالأراضي المحتلة كما هو الشأن الذي يحصل بالأراضي السورية و ماتنهجه وسائل الاعلام الخبيث في التعتيم على ما يحصل هناك من مجازر وتقتيل فاق كل نذالة و وحشية،
وعلى مستوى الإعلام السياسي العربي فإنه يخضع لشتى أنواع التزييف والتضليل و يطوّع فن التمويه والخذاع خلال الأزمات الاقتصادية والسياسية و هذا يظهر جليا في صحافته و قنواته الاخبارية و الاذاعية التي تفتقر إلى أبسط أنواع النزاهة والمصداقية،فهو للأسف مقيد بأهداف سياسية متعددة لأنه مُكرّس للتأثير على التفكير الجمعي من قِبل الأنظمة الفاشلة و المضللة لنزع الثقة وخلق الاضطراب الفكري و النفسي حتى يؤثر على سير الأحداث السياسية والاجتماعية ويزيف مدلول الخطاب الاعلامي بطريقة مدروسة و فنية تطمس الوعي التام للرأي العام..
و بالعودة للحديث عن الإعلام العالمي فكثير من الأهداف حققها جنود الاعلام السياسي بآلياته أمنيا و عسكريا واقتصاديا وأنجزوا انتصارات قلبت كل الحقائق والموازين وهو أيضا جزء مهم من حرب المخابرات العتيدة للتضليل والتمويه وكذلك وظفوه في كثير من الأحيان للهجوم على شخصيات شهيرة أو قيادات سياسية بالتشهير بهم أو تلطيخ سمعتهم..
و هو مثله مثل أي حرب أخرى يعتمد على تخطيطات و تكتيكات دقيقة ولعل من أهمها:
1_أسلوب تسريب المعلومات الضالة:
أ_و يتم هذا بعدة طرق لعل أهمها توظيف الحرب النفسية و نشر معلومات من شأنها التأثير على الرأي العام و توجيه الشعب لفكرة معينة أو صرفه عن حدث معين.
ب_و أيضا يُوظف التسريب في نشر معلومات غير صحيحة لافتعال الأزمات و غالبا هذا يكون بين الدول ضمن الحروب الباردة.
ج_نشر الاشاعات و الاخبار المغلوطة بطريقة متكررة
2_أسلوب التكتيم:
أ_ويتم أحيانا بالتجاهل و حجب المعلومات عن الرأي العام سواء اقتصادية أو سياسية
ب_التضييق على الصحافة النزيهة في بث الوصول للحقائق
ج_تقييد وسائل الاعلام المختصة بقضية ما بغية حجب كل تفاصيل القضية
د_استمالة أصحاب المصادر و الخبر و الدلائل تارة بالمال و أخرى بالترهيب أو التعذيب.
و تبقى هناك بعض الطرق الأخرى لكني ذكرت أهمها لعدم الإطالة..
و في الختام سيبقى الإعلام المضلل آفة إنسانية مشينة و ظاهرة عالمية مسيئة للجنس البشري ومؤذية بشكل كبير،و ما لم يتصدى العالم بكل مستوياته وبجدية لهذه الظاهرة ستستفحل كثيرا و كثيرا و ذلك لا يكون إلا بالوعي الفكري و المعرفي و استحضار قيم الضمير الانساني النبيل..
المراجع_
_كتاب الاتصال و الاعلام السياسي للدكتور سعد آل سعود
_دراسات من النت
_معارف شخصية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق