رؤية في الاستقرار الاستراتيجي (Strategic Stability) بعنوان :
نزعة التفوق العسكري و غياب الردود التصحيحية في العلاقات الروسية الأمريكية سببين جوهريين في تصعيدات مفاجئة تؤدي بشكل سريع الى لجوء أحد الطرفين الى استراتيجية (الردع الاستراتيجي) و فقدان توازن (الاستقرار الاستراتيجي)..
بقلم القيصر_20_06_2021
إن مفهوم الاستقرار الاستراتيجي العالمي أو توازن الرعب كما سماه ( ليستر بيرسون) الذي صاغ المصطلح في يونيو 1955 في الذكرى العاشرة لتوقيع من ميثاق الأمم المتحدة قد بقيت معاييره شبه ثابثة لأكثر من نصف قرن و يزيد ، ففي الأمس القريب و أتحدث هنا عن سنة 1990 لم يطرأ تغير كبير على المفهوم و ظل مرتبطا بغياب الحوافز التي تدفع أمريكا إلى شن ضربة نووية على روسيا أو العكس و عندما يتواجد الحافز تلجأ إحدى الدولتين أو كلاهما الى تبني استراتيجية (الردع النووي) كوسيلة تحذيرية أو تخويفية للطرف الاخر لإظهار تفوقها النووي،و قد كان هذا الوضع يعرف استقرارا نسبيا لفترات يسود فيها هدوء نسبي..
لكن اليوم قد تغير المفهوم بشكل كبير و هذه المعايير عرفت تحولات كبرى نتيجة حتمية لمتغيرات فرضتها تطورات غيرت طبيعة السياسات العالمية الجديدة و على رأسها التقدم الرهيب في الابتكارات النووية و دخول دول أخرى الى سباق التسلح ضربت بعرض الحائط بكل الاتفاقيات الدولية بخصوص الحد منه، وضع استفحل بشكل كبير عجزت معه المؤسسات الدولية من احتواء الوضع
لكن تبقى الولايات المتحدة الامريكية و نظيرتها الروسية هما الفاعلين الدائمين و القطبين الكُبريين المؤثرين بشكل مباشر في مؤشراته مما يفرض على الدولتين معا بناء العلاقات من جديد و توحيد اتجاهات التعاون بينهما كخيار لا مفر منه و ضرورة حتمية لبلورة المفاهيم الغامضة بشيء من المصداقية و الثقة بعد التوترات الأخيرة التي شهدتها علاقتهما و هو في الأول و الأخير الحل الأوحد لكلا الطرفين لأن التصعيد والذهاب الى الخيار الثاني شيء غير وارد بشكل حقيقي، لكن تبقى عراقيل اخرى امام بناء الثقة و تتمثل حول عسكرة روسيا للقطب الشمالي كسبب اول و في الامن السيبيراني المفقود في حربهما السرية الدائمة كسبب ثاني والذي يعود كل مرة الى واجهة الصراع..
فهذا الاستقرار الاستراتيجي رهين بالاستقرار الدبلوماسي و السياسي على على حد سواء في العلاقات الروسية الأمريكية و ليس له مؤشر ثابت و إنهاء النزاعات بين الطرفين بشكل تام يبقى معضلة كبرى في ضل التصعيد السياسي الدائم الذي يقود الى تصعيد عسكري و هو ما فسره الروس بنظرهم إلى العلاقات في هذا الشأن بأن الأوضاع العسكرية قد تعرف تصعيدا إذا فُقد (التوازن غير موضوعي) في غياب الردود التصحيحية من كلا الطرفين..
و نجد دائما أن النزعة إلى التفوق العسكري الاقليمي تؤثر بشكل قوي على توازن الاستقرار الاستراتيجي و كل طرف يرى من منظوره انه الأحق بأن تكون له نقطة السبق في هذا الشأن فيبرز على السطح الردع الاستراتيجي كآلية عسكرية دفاعية لفرض مظاهر التحكم و القوة مما ينتج عنه خرق معاهدات التسلح بين القوتين العظمتين مما يؤثر بقوة على التعاون المؤسسي بين الطرفين..
و أخيرا فبناء الثقة المتبادلة بين الروس و الأمريكيين سيبقى محل جدال و هو أيضا أهم ركيزة في هذا الاستقرار العالمي و تبقى هذه المسألة رهينة بالمستقبل خصوصا أنه كان يُطرح دائما التعارض في وجهات النظر بينهما بشكل كبير،فانسحاب واشنطن الدائم من الاتفاقات الدولية السابقة مثل انسحابها سنة 2002 من اتفاقية الصواريخ الدفاعية و أيضا و تخلفها عن اتفاقية 2019 بخصوص الصواريخ المتوسطة وقصيرة المدى كلها أسباب أثبتت سوء نيتها لدى الجانب الروسي مما جعل مسألة الثقة شيئا مستعصيا شيئا ما..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق